يا أبا فاضل ارتقت روحك إلى مدارج الكمال

يا أبا فاضل ارتقت روحك إلى مدارج الكمال
الكاتب :
منصور الصلبوخ

يا أبا فاضل ارتقت روحك إلى مدارج الكمال

من أصعب المواقف في حياة كل منا هي لحظة الوداع، وإن كان أصعبها الوداع الذي لا رجعة فيه ألا وهو وداع الموت الذي يأتينا فجأة من دون تحضير ولا تقديم، وهناك فرق بين وداع ووداع، فهناك وداع بطمأنينة " النفس المطمئنة " ووداع آخر يملؤه اللوم والندم  " النفس اللّوّامة " .

وعندما نصدم بسماع خبر وفاة شخص ما قريب كان أو بعيد فهذا لأننا نعلم أن الموت هو الحقيقة الأكيدة في الوجود حتى وإن اختلفت أشكاله، فهو مفاجأة مفزعة للقلوب تهتز له كل الجوارح بالخشوع والإحساس بالضعف مهما كبر المقام

وعلت المراتب .

ومن هنا تأتي العبرة بأن كل شيء خلقه الله كما له بداية فلابد أن له نهاية لأن لكل خليقة رسالة ودور في الحياة لا بد أن تكتمل، ومن المفروض أن تكتمل على خير وجه كما وجهنا الخالق عز وجل وهيأ لنا من مسخرات الكون .

حياتنا مليئة بالعبر والمواعظ وأعظمها عبرة الموت الوداع الأخير، فلنسارع إلى إكمال رسالتنا التي خلقنا من أجلها على خير وجه يرضاه الله تعالى بالعمل الطيب والبحث عما يفيد الجميع وينفعهم ، فالسعادة الحقيقية والحياة الأبدية تكمن في إسعاد الآخرين ومساعدتهم فسيد الخلق خادمهم .

إذن ، فالحياة الطيبة مكمنها العمل الطيب الذي هو صلب العبادة التي خلقنا الله عز وجل من أجلها ، فلنعمل ونعتبر قبل مجيء الحساب .

الدنيا لحظات قصار سرعان ما تنقضي ، ولن يكون الموت مخيفاً من اقتطف من ثمارها عمل الخير والصلاح .

إن الله سبحانه قد أدّخر للمؤمنين الصالحين النعم التي لا تنضب ولا تزول { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } .

إنها يا أحبائي الكرام أيام عصيبة نمر بها ، اُصِبْنا بالحزن الشديد وبلاءً عظيم ، فقطيف الولاية علت سمائها غمامة سوداء كئيبة ، لقد فقدت مؤمناً صالحاً عالماً فقيهاً تقياً مفكراً خطيباً مبدعاً .. ، يالها من خسارة رحيل العلامة الكبير ومحراب المسجد والمنبر الحسيني سماحة الشيخ عباس المحروس إلى الرفيق الأعلى ومستقر الرحمة ، رحل عاشق أهل البيت الخطيب الحسيني عن الدنيا ، وخلّف وراءه موروثاً ثقافيا وفكرياً وعلوماً دينية ومعارفاً إنسانية تستفيد منها الساحة العلمية والخطابية ، قضى طوال سنين عمره أميناً وفياً لفكره العقائدي ورسالته الإيمانية ، لقد تتلمذ على يديه الكثير من طلاب العلوم الدينية ، ما أصعب فراقك يا شيخ عباس ، لقد كنت ملاكٍ هادىءٍ يشع نوراً وجمالاً ، رحلت وفارقت الأهل والأحبة وخلّفت لنا الوحشة والحزن الكبير ، قضيت عمرك في العمل والإصلاح ، وكذلك جرت على يديك الخير والبركات وقضاء حوائج الناس ، نعم يا أبا فاضل بالعلم والرفعة والمكانة والزهد والعفة والطيبة ملكت قلوب المؤمنين ، صراط محبة وجسر ثقة دائمة ، وخير شاهد على ذلك هي تلك الحشود الغفيرة التي حضرت تشييعك ومراسم عزائك حزناً وألماً وأسى على رحيلك ، بدلت الكثير واستحقيت التقدير والتكريم من قطيف الحب والولاء ، افنيت عمركَ في خدمة الحسين والعترة الطاهرة عليهم السلام ، فطوبى لمن كان سيد الشهداء شفيعه وقائده إلى الجنة ، ارتقت روحك إلى مدارج الكمال ، فقرّت عيناك فأنت في مستقر دار عز الملكوت ومستقر رحمته ومغفرته .

حقيقة خسرت القطيف وخسرت الساحة العلمية واحداً من رموز الإبداع والحضور المميز ، وخسرت الساحة الخطابية عمداً من أعمدتها ورمزاً من رموزها ، فقد كان لنبرة صوته أو رخامته جاذبية تستثير مشاعر الموالين وتوقد عشقهم الحسيني .

كان رضوان الله تعالى عليه عالماً ربانياً ورث التقوى والإيمان والحب والولاء ..وقلبه الطيب اتسع لكثير من الآمال ، نعم .. رحل الشيخ عباس .. لكن هناك من سيذكره من بنين صالحين ، وسيظل باقٍ في ذاكرة المؤمنين بقاء العطاء الحسيني بأحرف من نور ، نسأل الله عز وجل أن يتغمد العلامة الفقيه الجليل الشيخ عباس بن علي المحروس بوافر رحمته ويسكنه فسيح جنانه ، والعزاء والمواساة لعائلة المحروس الكرام الأعزاء ولمراجعنا وعلمائنا وخطبائنا واتباع أهل البيت عليهم السلام ، وقبل كل ذلك لمولانا وإمامنا صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف ، وإنّا لله وإنا إليه راجعون .

 

اللهم أرحم من توسدت أجسادهم الأكفان وأجعل قبورهم خير مسكن تغفو به أعينهم حتى تقوم الساعة وارحمنا إذا صرنا إلى ماصاروا إليه .

  ~ اللهُمَّ صَلِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد ~

بأسمك ربي حصنت نفسي وأهلي ومن أحب من أن يصيبنا أذى .

 

محبكم/ منصور الصلبوخ .

نشر :

إضافة تعليق جديد

 تم إضافة التعليق بنجاح   تحديث
خطأ: برجاء إعادة المحاولة